تمهيد:
الإسلام دين الله،أنزله كي تتم الخلافة له في الأرض،وشرائع الإسلام جاءت لتطبق على أفراد المسلمين،لذلك فهي ليست تعاليم نظرية وإنما تعاليم تطبيقية.وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الغاية من هذا الدين إنما هو السمو بالإنسان إلى مستوى مكارم الأخلاق،فقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"
والإسلام حين حدده الرسول صلى الله عليه وسلم من الناحية العملية الاجتماعية قال:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". ففي صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال:"من سلم المسلمون من لسانه ويده"
حتى العبادات التي شرعها الإسلام لم تكن طقوسا مبهمة أو حركات غامضة، وإنما أفعال لها معاني جسدية ونفسية واجتماعية وسياسية و اقتصادية.
فإذا أخذنا مثلاً الصلاة ، وجدنا لها معاني كثيرة:
* فهي عبادة لله وإذعان لأمره.
. * وهى سمو بالروح وراحة نفسية
* وهى ذات معنى سياسي: حيث يجتمع الناس على إمام يتم اختياره طبقاً لأفضلية علمية إيمانية.
* وهى ذات معنى اجتماعي: حيث يقف الناس صفوفاً منتظمة متساوية ، لا فرق بين غنى ولا فقير، ولا أبيض ولا أسود إلا بالأسبقية للصف الأول.
* وهى ذات معنى تنظيمي: يتضح فيها حينما ينادى المنادى "حي على الصلاة" فيسرع الجميع ويترك كل مسلم شأنه ويسرع لأداء الصلاة.
* وهى ذات معنى جسدي: حيث أن حركات الصلاة سهلة وبسيطة وأشبه بالتمارين الرياضية التي يحرص عليها الناس ملتمسين فيها العافية الجسدية.
وهكذا إذا أخذنا الصيام أو الزكاة أو الحج أو غيره من العبادات،نجد الإسلام يربط الدين بالأخلاق ويربط الكل بالسلوك.فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ "
والزكاة للتطهير والتزكية" خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " والصدقة تشمل معظم الأخلاق التطوعية فعن أبي ذر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
تبسمك في وجه أخيك صدقة،وأمرك بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة،وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة،وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة)
والصوم في حقيقته صوم من الأخلاق المذمومة والخصال المحظورة،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله أن يدع طعامه وشرابه)
والحج إنما هو بذل المال وتضحية بالوقت،وتَحلٍ بالأخلاق الفاضلة وتَخلٍ عن الأخلاق الذميمة أثناء الاحتكاك ببشر كثير، مختلفي الطباع، ومن بلاد متباعدة " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ "
وقد ربط الإسلام بين الإيمان والسلوك ربطاً قوياً، ولأدل على ذلك -بالإضافة إلى ما سبق- قوله صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) وقوله صلى الله عليه ومسلم : (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً )
إنني من خلال هذا التمهيد أحاول أن أضع حدا لذلك السؤال الغير المشروع الذي يثار حول علاقة العقيدة بالسلوك، حيث يقول بعض المضللين،وللأسف، وهم من بني جلدتنا: ألا يمكن أن يكون للناس أخلاق طيبة بلا عقيدة ؟ !الجواب بلى، قد توجد أخلاق عالية مُثلى ،أحياناً ،عند المجتمعات غير المسلمة ،ولكن هذا مرده أن النفس تحتجز رصيدها الخلْقي بحكم العادة والتقليد أمداً طويلاً ، بعد أن تكون قد فقدت الإيمان كجزء من العقيدة ؟ وقد تحتجزه فترة على وعي منفصلاً عن العقيدة على أنه شيء ينبغي في ذاته أن يقوم . ولكن النتيجة الحتمية واحدة في النهاية . إنه ما دامت العقيدة قد انحرفت فلا بد أن تنحرف الأخلاق أخيراً، وما دامت الأخلاق قد انفصلت عن العقيدة فلا بد أن تموت . وإن هؤلاء المخدوعين حسبوا أن التصورات قد تنحرف ثم يستقيم السلوك ، إن هذا وهمٌ من أوهام الجاهلية،لأن هؤلاء الناس قد ضلوا عن حقيقة الشر الذي يعيشون فيه. وأن الحياة البشرية ذاتها مهددة بالدمار من ضخامة هذا الشر الذي تمكُّن من الحياة الواقعية للناس أيما تمكن .
إن الحقيقة التي لاشك فيها أن :المسلم مطالب بتطبيق شرائع الإسلام كما هو مطالب بتطبيق شعائره، وإذا لم يحدث هذا التطبيق ، وصار هناك تباين بين شريعة الإسلام وبين سلوك الفرد وحدث انفصام بين العقيدة والسلوك ، فإن الإسلام يعتبر هذه الظاهرة ، كذباً أو نفاقاً ، يقول الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ "
والبقية تأتي إنشاء الله