سألني صديقي فقال "هل الفلسفة توافق الدين" ربما كان يعتقد انطلاقا مما كتبت من قبل بأني فيلسوف, فأنا لست فيلسوفا و لكني أحب الفلسفة كما أن فيتاغورس ليس حكيما و لكن محب للحكمة. فالفلسفة ليست تقنية تكتسب و لا فنا يمارس و لا جلبابا يرتدى و لا حمارا يمتطى.
قبل أن أجيبك يا أخي لا أبد أن نوضح بإيجاز مفهوم الفلسفة لأني أعتقد أن الدافع وراء طرح هذا السؤال هو الخلل في فهم المفهوم نفسه. فالفلسفة عند العاميين هي كلام فارغ هي الثرثرة هي (الفهامات) هي (التخربيق) و الفلسفة عند( المثقفين) الذين يدعون الوعي هي الإلحاد و الشرك وهذا كله كلام خاطئ و باطل.
الفكر الإسلامي والفلسفة
لكي لا أطيل عليك لن أستعرض تعريفات و آراء الفلاسفة من الفلسفة اليونانية إلى المعاصرة و لكن سنكتفي بالتعريف الذي قدمه علماء العصر الوسيط مع ابن رشد(في عز فترات الفكر الإسلامي) فالفلسفة هي "البحث في الموجودات والنظر من حيث دلالتها على الخالق" أو كما قال أرسطو هي" البحث في الوجود بما هو موجود"و عليه فإن الفلسفة هي جوهر الدين وكل تساؤل أو تفكير قد يؤدي إلى إثبات وجود الخالق فهو فلسفة يقول تعالى "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت و إلى السماء كيف رفعت الجبال كيف نصبت و إلى الأرض كيف سطحت"سورة الغاشية "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض" (سورة آل عمران) و هناك آيات أخرى و أحاديث تدعو إلى التفكير و التفكر من أجل إدراك و إثباب وجود الله و الإقرار بوحدانيته و فردانيته و انفراده في صفاته وأقواله و أفعاله .لا إله إلا هو سبحانه وحده لا شريك له. و الإسم الشرعي للفلسفة هو الفكر الإسلامي.
هل الفلسفة تناقض الدين؟
و عليه فإنه لا تناقض بين الفلسفة والدين الإسلامي بل الفلسفة هي جوهر الدين فالله لا يعبد عن جهل ولكن عن علم و العلم هو التفكير و التفلسف و قد سأل أحدهم أعرابيا: كيف عرفت ربك؟ فقال:" الأثر يدل على المسير و البعرة تدل على البعير أفلا أومن بإله دلت عليه السماوات و الأرضين..."
تفكروا في خلق الله و لا تفكروا في ذاته
إذا كانت حقيقة الفلسفة هكذا فإن الدين قد حدد إطار التفكير الفلسفي و كل من خرج عنه فهو ظالم لنفسه. إن الشرع قد ميز بين المسائل التوقيفية و المسائل التوفيقية. فالأولى تخرج عن إطارالعقل و تدخل في عالم الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) ولا يسعنا إلا التسليم بها و كل تفكير أو محاولة تفكير فيها فقد يؤدي إلى السقوط في المحظور وهذا ما وقع بالفعل و أدى إلى ظهور تيارات فكرية مختلفة كالأشاعرة و المعتزلة و القدرية. أما الثاني فهي التي يسمح بأن تكون موضوعا للتفكير الفلسفي و هي كل شيئ ما عدا الذات الإلاهية.
نموذجين
قال أرسطو"الكرسي من الخشب و الخشب من الشجرة و الشجرة من النبتة و النبتة من البذرة و البذرة من الزارع... و قد اضطر إلى القول بأن هذا الإستطراد المباشر لا بد و أن يِنتهي إلى سبب في غير حاجة إلى سبب آخر يوجده" ونحن نقول بأن ذلك السبب هو الله
الفيلسوف الفرنسي ديكارت أسس فلسفته على الشك كمنهج من أجل الوصول إلى الحقيقة وقد أدى به ذلك إلى إثبات اليقينيات الثلاث: وجود الله,النفس و العالم
خلاصة القول
خلاصة القول فإن أقرب الناس إلى الله و أعبدهم له هو أعرفهم به و هذه المعرفة لن
تأتي إلا بالعلم, والعلم هو الفلسفة مع مراعات الضوابط الشرعية.